حين اكتشفت أم خوانا الموريسكية أن ابنتها تحمل في جيدها صليبا رفيعا صفعتها صفعة قوية تحمل كل معاني الخوف والرعب من الآتي، ولم تكن البنت على دراية بالسر الكبير الذي أفزع أمها، ولم تكن تلك الصفعة على الخد فحسب، بل تلتها صفعات أخرى في الذات وفي المعتقد، كانت أعتى وأعنف في المعاني وفي الأحداث، فقد تزامن ذلك مع صدور مرسوم الطرد الجماعي للموريسكيين من إسبانيا، وهم بقايا شتات الثمانية قرون من الحضارة الأندلسية، والسبب إرادة السلطة الحاكمة والكنيسة القضاء نهائيا على كل ما يمثله هؤلاء من لغة عربية ومن دين إسلامي ومن عادات وتقاليد ومن أعراق دخيلة. فتحرکت عجلة الكراهية والضغينة الضخمة تمثلها القوى السياسية والمدنية مسندة برؤوس الكنيسة الكاثوليكية المتعصبة مستعينة بأذرعها الرهيبة المتمثلة في محاكم التفتيش التي نفذت قرارات التهجير القسري لطائفة غير مرغوب فيها.
خرجت خوانا الفالانسية الموريسكية من دار أبيها هاربة من تداعيات حبها لإسباني كاثوليكي في الوقت الذي علمت فيه أنها مسلمة وممنوع عليها حب رجل من غير ديانتها، وأن عائلتها أخفت عنها حقيقة معتقدها الأصلي خوفا على حياتها وعلى مصير العائلة جمعاء، فاكتشفت في الحي الموريسكي الذي لجأت إليه واقعا مزريا وحقائق مريرة لفئة مضطهدة ومهمشة فوقفت على أحداث طوحت بها إلى عوالم من الخوف ومن الضياع ومن الخيانة، حتى امتدت بها الأيام والأحداث هزا ونفضا إلى مدينة سرقسطة فاعتقدت أنها وصلت إلى بر الأمان، لكن غدر بها الزمان مرة أخرى حين حصل مكروه لمن اعتقدت أنه منقذها من التيه، وتزامن ذلك مع مكروه كبير قذف بها إلى سفينة من جملة السفن الحاملة للمطرودين من أحيائهم ومن ديارهم ومن وطنهم اليرمي بهم إلى البحر ومنه إلى ديار الغربة وإلى الشتات الذي ما بعده جمع. لكن هل ستتمكن خوانا الموريسكية الأندلسية من جمع شتاتها المبعثر بعدما استقر بها المطاف في مدينة تونس ذات صیف من سنة 1610؟