هذا المٌؤلّف الطريف تتناول فيه الكاتبة رانية حمّامي واحدة من أخطر المسائل التي يواجهها الفكر المعاصر تجاه الهيمنة المطلقة للتكنولوجيات الحديثة وبطريقة أدقّ مسألة التواصل عن طريق البرماجيات الالكترونية التي أصبحت لها هيمنة واضحة على حياة الناس حتّى في جانبها الحميمي وفرضت نفسها كبديل نهائي وقاطع مع وسائل التواصل التقليدية  إلى حدّ التحكم في العماليات العصبية المتصلة بالسياسة والاقتصاد والأمن العالمي. ولعلّ الكاتبة ذهبت في صياغة العوالم المتخفية للحاكمين في هذا النظام الرقمي إلى أبعد الحدود وتمكّنت من خلال صياغتها لهذه العوالم إلى جعل القارئ  يسلّم بالواقعية الممكنة لسيناريوهات التحكم في السلطة السياسية والاقتصادية للعالم والتمكّن من إحداث حرب نووية للقضاء على جلّ الأنظمة والشعوب الغير مسجّلة في قاعدة معلوماتهم وتمكّن قاداتهم وعائلاتهم الذين تنظّموا في شكل مجموعات سرّية من النجاة باستعمال مخابئ خاصّة... 

لا شكّ أن متن الخرافة التي بنيت عليها هذه التجربة "الروائية" أبرزت جانبا كبيرا من الطرافة حتّى ولو كانت لآداب الخيال العلمي الذي وجد ناصيته وترجمها أساسا  فيما اتفق بتسميته بأفلام الخيال الأسبقية في معالجة مثل هذه المسائل ، لكن موضوع "نهابدا" واتصاله بمخاوف بعض المراقبين لم تتم في اعتقادنا معالجته من قبل. 

لم يكن تفاعلي هو نفسه في الصفحات الأولى لهذا النصّ كما كان في أجزائه الأخرى ولعلّ مأتى ذلك يعود ، في جانب منه، إلى استراتيجيا الدخول في الحدث المركزي المؤسّس لهذه الخرافة وفي جانبه الآخر نوعية هذه الكتابة والسجل اللغوي الذي اعتمدته الكاتبة في الوصف والسرد، حيث لم تكن للكاتبة، حسب اعتقادنا دوما، هواجس الاشتغال على اللغة وتقنيات السرد بما يكفي ليؤسس بوضوح أسلوبا متجذّرا في النصّ ممّا جعله يتنزّل بين أجناس مختلفة : الرواية، السيناريو وربّما حتّى النصّ الدرامي الذي ينشد كتابة أكثرّ تأصلا في الكتابة الركحية.

لكن باعتبار أنّ هذه أولى خطواتها في الكتابة السردية فقد تفاجئ القارئ بتحكّم في ضبط بناء وصياغة الشخصيات والأحداث المناطة بعهدتها ممّا يجعل منها مؤلّفة باستحقاق غايتها الأولى صياغة خرافة مقنعة بتجذّرها في المسائل التي تشغل بال القرّاء وباعتماد لغة مبسّطة وفي متناول الجميع.

إنّ "نهابدا" يحمل بين طيّاتة مادّة ثخنة قد تستهوي السينمائي والمسرحي في آن ليتحوّل النصّ من نصّ مقروء إلى نصّ مرئي مؤثر.

نتمنّى لها المزيد من المغامرة في ثنايا الكتابة السردية لعلّها بذلك قد تثبّت أسلوبا وعوالم مميّزة لتعبر بنصوصها القادمة أجناس الفنون المرئية.

حافظ الجديدي